Friday , 29 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

رأي حزب الامة القومي في وثيقة الدوحة للسلام في دارفور

بسم الله الرحمن الرحيم
الله أكبر ولله الحمد

حزب الأمة القومي

المؤتمر الصحافي رقم 39

رأي حزب الأمة القومي في وثيقة الدوحة

كلمة الرئيس

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته في هذا الشهر المبارك. وأرحب بكم في مؤتمرنا هذا المخصص لبيان رأي حزب الأمة في وثيقة الدوحة.

كنا قد درسنا في ورشة عمل وأعلنا رأينا في وثيقة هايدلبرج في العام الماضي. وبعد حصولنا على وثيقة الدوحة بطرق خاصة كتبت مذكرة حولها تدارسها مجلس التنسيق في حزبنا ثم درسها المكتب السياسي، وفي المرحلتين أدخلت إضافات حتى اكتملت الرؤية بالصورة التي بين أيديكم الآن، وأرجو أن تكونوا قد اطلعتم عليها وأنا وزملائي من القيادات على استعداد لأسئلتكم وتعليقاتكم.

ولكن قبل الخوض في الموضوع رأيت أن أضعه في إطاره الإستراتيجي في ظروف بلادنا الراهنة.

أقول: الحركة السياسية السودانية مدركة لمخاطر البرامج الإقصائية في مجتمع متعدد الثقافات. لذلك رأينا معشر الفصائل الإسلامية ألا يكون الطرح الإسلامي في تضاد مع الوحدة الوطنية، ولذلك تنادينا لتكوين جماعة الفكر والثقافة الإسلامية في بداية ثمانينات القرن العشرين، ووضعنا في رؤيتنا المشتركة المقيدة في دستور الجماعة ما يراعي أن يكون التوجه الإسلامي محيطا بمطالب التعددية الدينية والثقافية. وفي أواخر الثمانينات تنادت الحركة الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية لملتقى نشر وقائعه السيد عبد الله النفيسي وكان من النقاط الهامة التي ركزوا عليها ألا تلجأ الحركات الإسلامية للانقلابات العسكرية وسيلة لتطبيق الشريعة لكيلا ينشأ تضاد بين التوجه الإسلامي والتطلعات الشعبية.

ولكن رغم هذه المحاذير غامر من غامروا بانقلاب يونيو 1989م.

ولكن ما أثر ذلك على الحاضر؟

أقول: منذ نشأة إسرائيل اتخذ السودان موقفا متضامنا مع الأمة العربية والإسلامية ضد اغتصاب فلسطين. وكانت سياسة إسرائيل منذ البداية موجهة ضد الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة. وبخلاف الحروب المتكررة التي وقعت فإن أول رئيس وزراء لإسرائيل – ديفيد بن غريون- قال إن إسرائيل دولة صغيرة ومحدودة الإمكانيات لذلك علينا معرفة نقاط ضعف الدول العربية سيما الأقليات الطائفية والإثنية وتضخيمها لإضعاف وتفكيك الدول العربية.

هذا الخط عبر عنه كثير من ساسة إسرائيل وعبروا عنه بسياسة شد الأطراف ثم بترها بدعم الأقليات ذات الهويات المناقضة للهوية المركزية.

وأوضح العميد الإسرائيلي موشي فرجي معاني هذه السياسة بالنسبة للسودان باعتباره عمقاً استراتيجياً لمصر وبوابة عربية لأفريقيا جنوب الصحراء. وكان جنوب السودان خاصة والعناصر غير العربية في السودان عامة مستهدفين لهذه السياسة.

منذ استقلال السودان أتاحت سياسة السودان المستقل فرصاً لإنجاح سياسة شد الأطراف ثم بترها هذه النظم الديمقراطية يعاب عليها أنها إذ حرصت على الديمقراطية أغفلت الحاجة للتوازن.

أما النظم الدكتاتورية فقد طبقت سياسات إقصائية:
• نظام 17 نوفمبر إذ شرد الطبقة السياسية الجنوبية بحل أحزابها وحل البرلمان، ثم إذ أقدم على سياسات أسلمة وتعريب إدارية استعدى قاعدة جنوبية هامة. وعندما طرد المبشرين الأجانب وفر لهم دعما كنسياً مباشرا.

• نظام 25 مايو 1969م بعد فترة سلام حققها – نتيجة للاستفادة من تحضيرات النظام الديمقراطي الذي سبق، وما حظي به من تعاطف إقليمي وكنسي وغربي نتيجة بطشه بالحزب الشيوعي بعد أحداث يوليو 1971م- ولأسباب مختلفة، خرق اتفاقية سلام 1972م ثم أقدم على ما أسماه الثورة التشريعية أي مشروع الأسلمة بصورة فردية ما أعطى مبرراً إضافياً لحركة تحرير السودان التي وجدت احتضاناً إقليمياً ودولياً بسبب انحياز نظام مايو للمعسكر الغربي وتحالفاته الإقليمية.

• أما نظام 30 يونيو فقد اتخذ نهجاً إقصائيا منهجياً كانت نتيجته إجماع القوى السياسية الجنوبية في مؤتمر واشنطن في أكتوبر 1993م على المطالبة بتقرير المصير. منذئذ صار مطلب تقرير المصير هو مفتاح أي تعامل سياسي مع كافة القوى السياسية الجنوبية إلى أن صار حقا دستوريا بعد اتفاقية 2005م.

مسألة دارفور

صحيح كان في دارفور تباين إثني ولكن لم يتخذ شكلا مسيسا ومسلحا إلا في بداية هذا القرن الميلادي الجديد وكان هذا العمل السياسي المسلح منذ البداية متأثرا برؤى وأساليب الحركة الشعبية لتحرير السودان، وذلك لأن من أهم آراء د. جون قرنق –رحمه الله- التركيز على أن التناقض في السودان ليس جغرافيا –أي شمال/ جنوب- بل إثني وثقافي عربي/ أفريقاني.

اليوم وبعد قيام دولة جنوب السودان، يجد السودان أن علاقته بالدولة الجديدة، وبالمناطق الثلاثة المستثناة، وبأزمة دارفور؛ تداخلت بحيث يمكن أن ينشأ تحالف. هذا التحالف سوف يجد حواضن إقليمية ودولية في مواجهة حكومة السودان.

هنالك سياسات يمكن أن تستفيد من عوامل موضوعية قوية تشد دولة الجنوب نحو الشمال.

ويمكن أن تحل مشاكل المناطق المستثناة وأن تحل أزمة دارفور بمعادلة تصلح كذلك للحيلولة دون انفجار أزمات أخرى في شرق، ووسط، وشمال السودان.

إن أية نظرة لمسألة دارفور تتعامل معها كواحة معزولة نظرة غافلة.

لذلك ينبغي النظر لوثيقة الدوحة في هذا الإطار الإستراتيجي وإلا كانت كمن يبني قصرا ويهدم مصرا.

نحن نرى أن في وثيقة الدوحة إيجابيات وسلبيات، وبعد إعلان رأينا سوف ندعو لورشة لمشاركة كافة العناصر الدارفورية المؤيدة والرافضة، لدراسة موقفنا بهدف الوصول لرؤية قومية محكمة. أما مقولة إن وثيقة الدوحة هي نهاية المطاف فتعلل بالأماني. إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.


حزب الامة القومي

وثيقة الدوحة في الميزان

غرة رمضان 1432هـ
غرة اغسطس 2011م

منذ عهد كرمة ثم كوش شهد السودان ممالك أسست حضارات عريقة. وبعد ألف عام من حضارة مميزة متصلة تكونت فيه ممالك مسيحية استمرت هي الأخرى ألف عام، خلفتها ممالك إسلامية في إقليم الشمال وأخرى تتبع ديانات وثقافات محلية في الجنوب.

كان إقليم دارفور ذا كيان مميز ولكنه ضم لبقية السودان في عام 1875م، ولم يعهد دورا مشتركا مع بقية السودان في التاريخ الحديث إلا في الدعوة والدولة المهدية إذ كان لأهل هذا الإقليم دورا بارزا في الدعوة ثم في الدولة. ولدى سقوط تلك الدولة انفرد الإقليم بكيان سلطاني ظل هكذا إلى أن اختار سلطانه الوقوف مع السلطنة العثمانية في الحرب الأطلسية الأولى (1914م- 1918م) فهجمت عليه السلطة البريطانية المحتلة للسودان واسقطت السلطنة وضم الإقليم لبقية السودان في 1916م.

وبسبب العلاقة القوية الشعبية التي ربطت الإقليم مع السودان النيلي- كيان الأنصار- ثم الانضمام لحزب الاستقلال –حزب الأمة- كان للإقليم دورا بارزا في استقلال السودان الثاني في عام 1956م.

ومنذ الاستقلال ظهر في الإقليم في ظل الحكم الوطني عدد من المشاكل بعضها مشترك مع أقاليم أخرى وبعضها خاص بالإقليم، مشاكل أهمها أربع هي: الفجوة التنموية والخدمية بسبب تأخير الإقليم عشرين عاما من بناء الدولة الحديثة التي كونها الاحتلال البريطاني فعلا الثنائي شكلا – وكثرة التنافس القبلي الذي سببه قوة الولاء القبلي في الإقليم- ثم وفي مرحلة لاحقة شدة التنافر في بعض نواحي الإقليم سيما في غربه ووسطه بسبب الموارد بين عناصر في الغالب مستقرة فلاحية، وعناصر في الغالب رعوية وافدة – ثم ولأسباب أهمها الجفاف صدعت الإقليم ظاهرة النهب المسلح.

وفي عهد الديمقراطية الثالثة (1986م-1989م) حدثت ثلاثة تطورات في وضع الإقليم: المشاركة الفاعلة في كل مستويات الحكم المركزي بما في ذلك رئاسة الدولة- الحكم الذاتي الإقليمي بقيادة أهل الإقليم انفسهم – التركيز على جهد تنموي خدمي في الإقليم، ولكن نسبة لضيق الفترة الديمقراطية استمرت مشاكل الإقليم الأربع المذكورة واستمرت المجهودات الوطنية لحلها، مجهودات وصلت قمتها في المؤتمر الجامع الذي أجهض في 30 يونيو 1989م.

ومنذ انقلاب “الإنقاذ” سيما على يد د. على الحاج كممثل لنظام “الإنقاذ” شهد الإقليم جهدا مركزا لاستمالة أهله للنظام الجديد، أهم ذلك الجهد التفتيت الإداري على مستوى الولايات، والمحافظات، والمحليات- وتسييس الإدارة الأهلية في اتجاه حزب السلطة- والأدلجة الإسلاموية العروبية التي برزت مع المؤتمر الشعبي الإسلامي العربي – 1992م. هذه العوامل مزقت النسيج الاجتماعي. ومما ساهم في تمزيق النسيج الاجتماعي ما صحب النظام الانقلابي من زيادة في الفاقد التربوي والعطالة وبث ثقافة العنف. وزاد نظام “الإنقاذ” من شكاوى التهميش ما وثقة (الكتاب الأسود)، مثلا كان الصرف على دارفور في موازنة الفترة 2006-2008م يساوي 3% من الصرف على الولايات الشمالية بينما نسبة السكان 12% ومع وجود فجوة تنمية وبرغم اتفاقية أبوجا. كذلك ذكرت لجنة المراجع العام أن ما نهب من أموال الدارفوريين في طريق “الإنقاذ” الغربي يبلغ 5 مليار جنيه.

معلوم أن من أهم رؤى د. جون قرنق صرف النظر عن جهوية مشكلة الجنوب إلى قوميتها مركزا على شرخ في الجسم السوداني ما بين المكون العربي والمكون الأفريقاني، لذلك خاطبت الحركة الشعبية إقليم دارفور في وقت خلقت فيه سياسات النظام الجديد رودود أفعال مضادة فأدى ذلك في النهاية لتكوين حركة تحرير السودان (SLA) التي أعلنت عن نفسها في يوليو 2002م، ثم على صدى الانقسام الذي حدث في الحزب الحاكم تكونت فيما بعد حركة العدل والمساواة (JEM). كان واضحا أن تكوين هاتين الحركتين ذو ملامح مضادة لأيديولوجية الحزب الحاكم في البلاد، هذه المقاومة السياسية للحكم المركزي على يد أحزاب سياسية مسلحة ذات أهداف جهوية وبسند عناصر خارج الإقليم بل وخارج السودان ظاهرة جديدة في دارفور. ومما ساهم في الدفع نحو هذا الاستقطاب أن النظام رفض أية تسويات سلمية حريصا على إظهار هيبة النظام في وقت تقديم تنازلات في إطار برتوكولات اتفاقية السلام.

كان الحزب الحاكم يواجه تحديات الحرب الأهلية ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان لذلك أزعجه للغاية فتح جبهة قتالية جديدة في غرب السودان فاتخذ سياسة حادة لقمع المقاومة في دارفور، سياسة جند في سبيلها التناقض الإثني الكائن في الإقليم فأحدث المواجهات ما أدى لتجاوزات فر نتيجة لها أعداد كبيرة من سكان مناطق غرب ووسط دارفور إلى معسكرات نازحين ولاجئين خارج السودان. تلك الحملات الحربية وحجم معسكرات النازحين واللاجئين ضمن عوامل أخرى شد أنظار العالم لأزمة دارفور ما أدى لتزكيز دولي على قضية دارفور وإصدار أكثر من عشرين قرار مجلس أمن بخصوص دارفور في الفترة 2003 -2006م.

منذ عام 2002م استجدت على إقليم دارفور أربع مشاكل لم تكن معهودة هي: ظهور أحزاب سياسية ترفع السلاح ضد الحكومة المركزية- تسييس الانتماء الاثني- المآسي الإنسانية الصارخة – والتدويل.

منذ عام 2005م كثرت المجهودات والوساطات الإقليمية والدولية لوقف الاقتتال في دارفور. وقام حزبنا بمجهود جبار لتحاشي الحرب منذ العام 2002م ثم لوقفها بعد 2003م مشركا كل الطيف الدارفوري والقوى السياسية بالداخل ومبرما الاتفاقيات مع المؤتمر الوطني ومع حاملي السلاح بخصوص حل دارفور. وعلى الصعيد الرسمي أبرمت اتفاقيات وقف اطلاق نار عديدة ثم أبرم في مايو 2006م أول اتفاق سياسي لتحقيق السلام في دارفور، هذا الاتفاق لم يكن شاملا ولا باقيا. وزاد من التعقيد سعي المؤتمر الوطني لتفتيت حملة السلاح إضعافا لهم وسعيا لشراء من يستطيع مما زاد من فجوة الثقة بين الطرفين وبينهما والمجتمع الدولي. وتعددت المبادرات بشأن القضية. مبادرات لخص حزب الامة أهم مطالبها في إعلان مبادئ. وصدرت وثيقة هايدلبرج في 2010م وهي ديوان لأهم توصيات الحلقات الدراسية والمؤتمرات المعنية بدارفور. واستطاعت المبادرة القطرية بمباركة إقليمية ودولية أن تبذل جهدا مكثفا أدى في النهاية لتوقيع وثيقة الدوحة في 14 يوليو 2011م.

1. إيجابيات وثيقة الدوحة:

استجابت وثيقة الدوحة لبعض مطالب أهل دارفور، بيان ذلك:
– اعتماد تمثيل أهل الإقليم في كافة مستويات الحكم بما في ذلك رئاسة الدولة.
– اعتماد حدود عام 1956م حدودا للإقليم مع بقية مناطق السودان.
– مفوضية لمسألة الأراضي بصلاحيات وتوجيهات عادلة.
– إقرار التعويضات للنازحين واللاجئين فرديا وجماعيا وحماية أمنهم وكفالة عودتهم الطوعية لقراهم.
– تدابير مفصلة للتنمية وتوفير الخدمات الاجتماعية لإزالة الغبن فيما لحق بها من تخلف وتكوين صندوق لذلك رصدت له مبالغ ضخمة تبلغ 5 مليار دولار.
– اعتماد حق أهل الإقليم في السلطة المركزية بنسبة السكان.
– الالتزام بقومية مؤسسات الدولة ومراجعتها لتحقيق ذلك.
– إعادة المفصولين من الخدمة بأسباب متعلقة بالنزاع في دارفور وكذلك اطلاق سراح المحبوسين.
– تكوين لجنة بصلاحيات محددة لتنظيم عودة النازحين واللاجئين الطوعية.
– إنشاء صندوق للتعويضات وجبر الضرر.
– إنشاء مفوضية للحقيقة والعدالة والمصالحة.
– النص على ترتيبات مفصلة لوقف إطلاق النار ومراقبته والمساءلة عن خرقه.
– الاتفاق على ترتيبات مفصلة لنزع السلاح ودمج أو تسريح وإعادة تأهيل المقاتلين. ولكن ينبغي ألا يحصر التحفيز على القيادات كما هو معتاد بل ينبغي أن تحفز القواعد والجنود للانخراط في السلام بحماسة.
– الاتفاق على عقد ملتقى دارفوري جامع لتمليك الاتفاق للكافة.
– وجود آلية لمراقبة التنفيذ لم تكن في اتفاقية أبوجا.

النص على تلك الايجابيات الـ 15 مفصل في مواد وبنود الوثيقة.

2. سلبيات وثيقة الدوحة

1. اعتمدت الوثيقة دستور 2005م المعيب والمنتهية صلاحيته في 9/7/2011م مرجعية للوثيقة، كذلك اعتماد اتفاقية سلام يناير 2005م بعيوبها وهى الأخرى منتهية. مرجعية هاتين الوثيقتين قيدتا الوثيقة.

2. ذكرت الوثيقة اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة والاتفاقيات السياسية السابقة دون ذكر لماذا فشلت ودون التنبيه إلى أن نفس عوامل ذلك الفشل ما زالت موجودة وسوف تعرقل مفعول هذه الوثيقة.

3. وقعت الوثيقة في نفس المحظور الذي وقعت فيه نيفاشا وأبوجا بتحولها لمحاصصة مناصب مما يسهل الالتفا عليها، خاصة والوثيقة اعتمدت سيطرة المؤتمر الوطني على الجهاز التنفيذي والتشريعي كما هي ودون مراجعة حقيقية. هذا يجعل تمثيل الحركات المحدود مجرد ضيوف على النظام كما اكتشف فصيل السيد مني أركو مناوي في الفترة 2006-2011م.

4. نص الاتفاق بحق على استقلال القضاء وحياديته ولكن دون التطرق لضرورة إعادة هيكلته لإزالة ما لحق به من تسلط حزبي أعلن تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق (2005) أنه جعله قضاءا منحازا.

5. نص الاتفاق بحق على الاهتمام بالإدارة الأهلية دون التطرق لحقيقة التسييس والحزبية ما أودى بفاعليتها فهي اليوم وبالجبر الإداري جهاز تابع للحزب الحاكم.

6. نصت الوثيقة بحق على أن تستوفى القوات المسلحة صفات النظامية والمهنية واللاحزبية وقومية التكوين والتجنيد، دون أي إجراء ضروري لإزلة سيطرة الحزب الحاكم عليها بنص الدستور والقانون والممارسة الواقعية. ينطبق ذلك أيضا على الخدمة المدنية التي ينبغي إعادة النظر فيها بما يحقق قوميتها ويرفع يد التسلط الحزبي عنها.

7. نصت الوثيقة على تكوين سلطة انتقالية برئاسة ووزراء دولة على أن لا تتعارض صلاحياتهم مع الصلاحيات التي تتمتع بها الولايات أو الحكومة الاتحادية ولا تؤثر عليها. هذا يجعل هذا الجسم جسما هلاميا كما اكتشف السيد مني أركو مناوي والمؤسف أن الوثيقة لم تتعرض لتلك التجربة التي انطلقت من زخم إقليمي ودولي أكبر وانهارت تماما ولماذا فشلت للاستفادة من الدرس. ما دام هذا الجسم الهلامي لن يؤثر على الصلاحيات المركزية والولائية فهو إذن جسم زخرفي إما أن يقبل بهذه الوظيفة وما معها من ألقاب فارغة ورواتب إعاشية أو يدخل منذ اليوم الأول في نزاعات مركزية وولائية.

8. الوثيقة مذبذبة ما بين إشارة هلامية لدارفور كاقليم واحد وواقع معتمد لولايات دارفور، والنص على إجراء استفتاء لحسم القضية. لقد قسم إقليم دارفور بصورة غير شرعية والصواب العودة للمربع الأول، أولا: لأن هذا هو الأساس الشرعي. ثانيا: لأنه يستجيب لأشواق دارفورية لكيان خاص ضمن وحدة السودان. ثالثا: لأن الإكثار الذي جرى منذ عام 1990م للوحدات الولائية والإدارية أدى لإسراف في الصرف غير معقول، ولا يمكن أن يستمر ما يوجب العودة لأقاليم الشمال الستة، ورابعا: لأن اعتماد دارفور ولاية واحدة لا يتعارض مع أية حاجة للامركزية محددة الصلاحيات داخل الولاية الواحدة. والمطلوب هو النص على العودة للأقاليم الستة القديمة والمحليات الـ86.

9. نصت الوثيقة على: تصاغ السياسات الاقتصادية القومية .. الخ دون تحديد من يصوغها؟ المطلب القومي هو عقد مؤتمر قومي اقتصادي يشخص الحالة الاقتصادية ويلبي المطالب الإقليمية التنموية وتكون توصياته هي أساس الاصلاح الاقتصادي في السودان. هذا كما أن الوثيقة لم تذكر أن لدارفور حقا تنمويا بنسبة السكان.
ما ذكر في الوثيقة من أهداف لتنمية دارفور سليم ولكن ينبغي أن يكون هذا ضمن خطة تنموية قومية وإلا فقد جدواه.
صحيح ذكر ت الوثيقة أرقام مالية لبنود محددة ولكن هذا حدث من قبل – مثلا نصت اتفاقية أبوجا (مايو 2006) على مبالغ لإعمار دارفور كالآتي:
– 300 مليون دولار في عام 2006
– 200 مليون دولار في عام 2007
– 200 مليون دولار في عام 2008
أي جملة 700 مليون دولار، ولكن حتى عام 2010م دفع منها 120 مليون دولار فقط، ونفس التقصير في أمر إعمار الشرق. يضاف إلى ذلك أن وضع البلاد المالي اليوم أسوأ من ذي قبل، فبانفصال الجنوب أصيبت الموازنة بضربة أساسية بتجفيف النفط، وتزيد مواجهة المجتمع الدولي الطين بلة.
تخصيص هذه المبالغ وسوء التصرف فيها في الماضي صحبه فساد كبير يوجب التحقيق العادل فيه ومحاسبة الجناة. وتخصيصها حاليا ينبغي أن يتخذ إجراءات لازمة بالشفافية وحسن إدارة المال العام.

10. دارت الوثيقة حول الالتزام بالقرارات الدولية واستبدلت مآل القرار 1593 بإقامة محكمة خاصة هذا خفض درجة الحيادية المقترحة في المحكمة الهجين، وهو يضع قرار تكوين المحكمة الخاصة في أجهزة مطعون في استقلالها. إغفال المحكمة الجنائية الدولية غير ممكن، والتعامل الواقعي معها ضروري.

11. الوثيقة في كافة بنودها تفترض أن الأمن والسلام بموجبها سائدين، وهذا افتراض غير صحيح فكثير من بنود الوثيقة لن تتحق إلا إذا ساد وقف إطلاق نار شامل والتزام الفصائل المسلحة به، كذلك كيف يمكن تسريح أية مليشيات وغيرها مسلح؟ وكيف يمكن إصدار عفو عام والاحتراب مستمر؟ ولا يمكن تحقيق عودة النازحين ما لم يجر إخلاء مناطقهم من عناصر سكنت فيها.

12. ومن أخطر ما في الوثيقة أنها تحجم إرادة طرفيها وتغيب المشاركة القومية تماما على سنة نيفاشا، وبرغم توقيعها مع فصيل واحد، جاءت تصريحات ممثل الحكومة مؤكدة أنها نهائية وغير قابلة للأخذ والعطاء.

13. وتجسد الاتفاقية درجة عالية من عدم الثقة بين طرفيها وبالتالي تضخم حجم الاعتماد على الآخر الدولي بصوروة مبالغ فيها:

• لجنة متابعة التنفيذ تكاد تكون أمم متحدة: مكونة من 16 جبهة بعضها دول وبعضها تكوينات إقليمية ولها صلاحية حشد الدعم السياسي والمادي اللازمين لتنفيذ الاتفاق.
• الاستعانة الدولية كذلك في كل المستويات والأجهزة:
– رئاسة لجنة وقف إطلاق النار دولية.
– اللجنة المشتركة برئاسة دولية، وهي لجنة لحل نزاعات الطرفين، مما يحال إليها من لجنة وقف إطلاق النار.
– اعتماد كبير على المانحين في أمر صندوق إعمار دارفور، وصندوق جبر الضرر وكافة الإجراءات التي تتطلب عونا ماديا وفنيا مثل الملتقى الدارفوري الجامع – ومفوضية التسريح ونزع السلاح والتأهيل.. الخ.

هذا العشم كان واردا في اتفاقية نيفاشا ومؤتمر المانحين في أسلو ومع إعلان عزمهم على المساعدة كان التنفيذ متواضعا.

ولكن في حالة العلاقة بين الأسرة الدولية والنظام السوداني الآن لا ينتظر تعاون حقيقي إلا إذا تحقق السلام الشامل في السودان، أما مع وجود أكثر من جهبة قتالية في السودان الآن، ومع وجود قطيعة مع العدالة الجنائية الدولية، فلا يرجى أي دعم دولي حقيقي بل مزيد من العقبات والعقوبات الاقتصادية.

ثانيا: الموقف السلبي من العدالة الجنائية الدولية سوف يكون له أثر سالب في العلاقات السودانية الدولية، إن الحزب الحاكم يسير في خط سياسي متناقض تماما: كافة اتفاقياته تصورا وتنفيذا تعتمد على عناصر خارجية طمعا في المباركة الدولية وهربا من المشاركة القومية، وهو اعتماد بمقياس النخوة والكرامة الوطنية خاسر ولكن مع هذا الاعتماد المشين يرفض الحزب الحاكم أن يدفع استحقاقاته وتتخذ تصريحات قادته مواقف شوفينية صارخة تستعدي مراكز النفوذ الدولية. إن إفتراض الدعم الدولي في كل المستويات دون إجراءات معينة غائبة الآن افتراض وهمي.

14. بنود هذه الوثيقة توجب تنفيذا دقيقا للغاية عدد منها يجب تنفيذه في 5 أيام من التوقيع أي في أو قبل 19/7، وبنود أخرى يجب تفنيذها في 30 يوما، وأخرى في 120 يوما، وهكذا. ونصت الوثيقة على الشروع في التنفيذ فور التوقيع. هذا النص يسقط الحاجة الدستورية لمصادقة المجلس الوطني ما يدل على قلة وزنه، وعدم الاهتمام بالدستور. هذه الدقة في التوقيت مقتبسة من بروتكولات نيفاشا التي أخفقت في معظم توقياتها ولم ينقصها الضغط الدولي، إن الإرادة السياسية للالتزام بمثل هذه الدقة غير موجودة. وما بين خلافات داخل المؤتمر الوطني، وخلافات داخل حركة العدالة والتحرير، وخلافات مع المكونات الدولية سوف تخلف المواعيد والأرقام. هذا ومناخ السرية والانفراد الذي عزل القوى السياسية الوطنية سوف يجعل عطاءها في دعم تنفيذ الوثيقة سالبا. أما الفصائل المسلحة غير الموقعة فسوف تفعل ما فعلته بعد اتفاقية أبوجا وهو: الحرص على اثبات أنها هي مركز الثقل في أمر السلام.

15. الترقيع في معالجة قضايا السودان ومصادرها واحدة هي سوء إدارة الشأن العام بالعناد والانفراد والإقصاء وسوء إدارة التنوع؛ ما أدى لانفصال الجنوب وإذا استمر حتما سيورد البلاد للمهالك والتمزيق على النحو المخطط من قبل أعدائها. فمن مساوئ الوثيقة أنها لم تراع أن هناك مشاكل جهوية مشابهة لدارفور وإن لم تكن في حجمها ولكن هذه أغفلت تماما ما يجعل الوثيقة مصدر إثارة لهم. هنالك مشاكل مشتعلة أو توشك على الاشتعال في كردفان وفي الجزيرة وفي الشرق وفي الشمال ما يوجب حلولا محيطة لا مبتسرة.

16. بالنسبة للتعويضات الفردية، تم تحويل أساس التعويض من الفرد إلى الأسرة وهذا دون المطلوب ويضير الأسر الكبيرة، كما تم إغفال الدية بالنسبة للأسر التي فقدت أفرادها في الحرب.

17. النص على تمثيل دارفور في الرئاسة جاء بدون ضبط مما سمح للمؤتمر الوطني بالتلاعب، حيث كان المفهوم أن ممثل دارفور تختاره الحركات أو الحركة الموقعة، ولكن دل تصريح د. غازي صلاح الدين فور عودته من الدوحة بأن ممثل دارفور في الرئاسة سوف يختار من المؤتمر الوطني على نية التلاعب وسماح النص به.

18. تم النص على حظوظ دارفور المختلفة بنسبة السكان، ونص في البند 52-أ من الوثيقة على تحديد “حجم السكان بناء على تعداد 2008 وما بعده”. هذا نص جائر وغير مقبول لدى أهل دارفور الذين وقفوا بشدة ضد قبول نتائج التعداد السكاني الخامس في إقليمهم واعتبروها مضروبة، فقد حالت الحرب دون قيام العد في كل مناطق الإقليم، واستثنيت معسكرات النازحين بشكل كبير، وظهرت فجوات كبيرة غير مبررة في مناطق كثيرة مع زيادة نسبة الرحل بشكل تشكك فيه أهل الإقليم، وكل هذه الملاحظات جعلت مجلس شورى قبيلة الفور يصدر بيانا قويا بعد ظهور نتائج التعداد يطالب فيه بإلغائه كأساس لمعرفة نسبة السكان والعودة لنتائج إحصاء عام 1993م.

19. تم الالتفات في الوثيقة لمسألة إعادة تأهيل ودمج المقاتلين ونزع سلاحهم، والإشارة للعنف المجتمعي. وهذا لا يعد كافيا في مقابلة مسألة تسليح القبائل وانتشار السلاح بشكل يهدد أمن وسلامة المواطنين فيه.
ختام:

قلنا مرارا إن مشاكل البلاد قومية وتتطلب حلولا قومية وتوفير إرادة قومية، ولكن هذا المعنى كما غاب في نيفاشا غائب في الدوحة، وما بدر من دعوات لعناصر سياسية غير الموقعين لم يكن أكثر من “دعوة مراكبية” قبلها بعضهم لأنه يدرك خفة وزنه فالتلبية له فرصة للظهور، ورفضها آخرون لأنهم يرون أن هذه القضايا المصيرية تتطلب عطاءا جادا لم تتوافر لهم فرص لممارسته، هذا ونحن نرى وثيقة الدوحة خطوة في التفاهم حول أزمة دارفور ولكنها من الناحية النظرية دون وثيقة هايدلبيرج ومن الناحية العملية أقل من اتفاقية أبوجا، وإذا فهمت بهذا الوصف الموضوعي وانفتح الباب لمزيد من الجهد لايجاد سلام عادل شامل فلا بأس، أما إذا عوملت باعتبارها الحل النهائي للمشكلة فإن في مثل هذا الاعتبار وهما مدمرا.

قضية دارفور سببت جرحا عميقا في نفوس أهل الإقليم كان بالإمكان تفاديه لولا العزوف عن الحل السلمي في بداية انفجار الأزمة، ما يوجب اعتذارا عما جرى من عنف وتجاوزات دوليا.

والتعامل مع القضية كأنها واحة معزولة لا يجدى بل هي جزء من أزمة قومية يرجى أن تعالج بالإحاطة اللازمة. كذلك ينبغي تحقيق أوسع درجات المشاركة القومية في الحل وبلوغ درجة من الإحاطة ترد على كل التساؤلات الدولية التي صحبت حلقات هذه الأزمة التي لا يرجى بناء الوطن دون حلها.

اتفاقية أبوجا المبرمة في مايو 2006م، مع كل ما صحبها من زخم إعلامي وإقليمي ودولي سقطت لأنها عزلت القوى السياسية ورفضتها بقية الفصائل المسلحة التي صعدت مقاومتها بتكوين جبهة الخلاص الوطني.

إن وثيقة الدوحة كذلك صحبها زخم إعلامي وإقليمي ودولي ولكنها كذلك عزلت القوى السياسية ورفضتها الفصائل المسلحة، ما يعني أن الترتيبات الأمنية لن تتحقق وبالتالي يستحيل بناء السلام. وها هي الفصائل الأخرى تتحد لمقاومتها ما يعني مزيدا من الاقتتال، ورفع سقف أهداف المقاتلين.

إن وثيقة الدوحة مهما احتوت من إيجابيات لن تحقق السلام بل في المناخ الحالي في السودان سوف تزيد الطين بللا.

إن تحقيق سلام شامل عادل في دارفور خاصة وفي السودان عامة ممكن، بل ضروري، ولكنه يتطلب استحقاقات معينة ويتطلب نهجا قوميا يحقق لأهل دارفور خاصة وللسودان عامة سلاما عادلا شاملا وتحولا ديمقراطيا متوازنا كاملا.

Leave a Reply

Your email address will not be published.